دراسة معمقة في فلسفة الدليل وترجيح الحجج أمام القضاء المغربي
يُعتبر كتاب "قضاء محكمة النقض في الترجيح بين البينات والحجج" من المؤلفات القانونية الرائدة التي قدمها الدكتور عمر أزوكار، أحد أبرز الباحثين والممارسين في الساحة القانونية المغربية. يشكل هذا الكتاب مرجعاً علمياً مميزاً يستند إلى اجتهادات محكمة النقض، ويكشف آليات العمل القضائي في الموازنة بين الأدلة المختلفة، بأسلوب تحليلي يجمع بين النظرية والتطبيق.
أولاً: عن المؤلف
الدكتور عمر أزوكار هو محام بهيئة الدار البيضاء، وأستاذ بالمعهد العالي لإدارة المقاولات (ISCAE)، بالإضافة إلى كونه أستاذاً زائراً في عدد من كليات الحقوق بالمغرب. اشتهر بكتاباته القانونية المحكمة التي تعكس خبرته الطويلة في مجالات القانون المدني، الجنائي، والإداري، فضلاً عن حضوره القوي في المؤتمرات والندوات الأكاديمية.
ثانياً: موضوع الكتاب وأهميته
يتناول هذا الكتاب إشكالية الترجيح بين البينات والحجج، وهي من أكثر المواضيع دقة في العمل القضائي. فمحكمة النقض، بصفتها أعلى هيئة قضائية في المغرب، تلعب دوراً محورياً في ترسيخ المبادئ القانونية المتعلقة بوزن الأدلة، ومتى تُرجح حجة على أخرى، وفقاً لقواعد الإثبات المعمول بها في القانون المغربي.
يُقدم الكتاب رؤية تحليلية معمقة لاجتهادات محكمة النقض في هذا المجال، مع رصد لأهم الأحكام التي شكلت تحولات بارزة في فهم القضاء لمسألة الترجيح. كما يناقش بتفصيل أنواع الأدلة (الكتابية، الشفوية، الإلكترونية، الشهادة، القرائن... إلخ)، وكيف تتعامل معها المحكمة في حالات التعارض أو الغموض.
ثالثاً: محاور الكتاب الأساسية
ينقسم الكتاب إلى محاور متعددة، من أبرزها:
-
مفهوم البينة والحجة في القانون المغربي
يستعرض الكاتب التعريفات الفقهية والقانونية للبينة والحجة، موضحاً الفرق بينهما من حيث المصدر والقوة الثبوتية. -
قواعد الترجيح بين الأدلة
يبين الكاتب المبادئ القضائية التي تُعتمد عند تعارض الأدلة، مثل مبدأ الأصل، والظاهر، والقوة القانونية لبعض المستندات. -
دور القاضي في الترجيح
يسلط الضوء على السلطة التقديرية للقاضي، وحدودها، وكيف توجه محكمة النقض الأحكام لتكون منسجمة مع فلسفة العدالة. -
نقض الأحكام بسبب سوء الترجيح
يتناول نماذج من قرارات النقض التي تم فيها إبطال أحكام ابتدائية أو استئنافية بسبب سوء تقدير أو ترجيح غير سليم للحجج المقدمة.
رابعاً: الأسلوب والمنهجية
يعتمد الدكتور أزوكار في هذا العمل على التحليل القضائي والاجتهادي، حيث يقوم بتفكيك النصوص القانونية وربطها بالوقائع العملية. كما يعزز كل محور من محاور الكتاب بقرارات صادرة عن محكمة النقض المغربية، مما يعطي الكتاب طابعاً عملياً عميقاً، ويجعله دليلاً تطبيقياً بامتياز للباحثين والمهنيين.
خامساً: الفئة المستهدفة
هذا المؤلف موجه إلى فئات متعددة داخل الوسط القانوني:
-
طلبة كليات الحقوق الذين يرغبون في فهم معمق لقواعد الإثبات.
-
القضاة والمحامون الذين يتعاملون بشكل يومي مع تعارض الأدلة.
-
الباحثون الأكاديميون في القانون الخاص والعام.
-
كل من يهتم بفهم الفلسفة القضائية المغربية في التعامل مع الحجج القانونية.
سادساً: قيمة الكتاب في الساحة القانونية
يُعد هذا الكتاب من أبرز الأعمال التي تسهم في إثراء المكتبة القانونية المغربية، لكونه لا يكتفي بعرض القواعد النظرية، بل يغوص في عمق الاجتهادات القضائية، ويكشف عن كيفية تعاطي القضاء مع الحالات الشائكة التي يكون فيها الترجيح بين الأدلة مسألة مصيرية.
كما أن هذا النوع من المؤلفات يسد فراغاً واضحاً في المكتبة القانونية من حيث التحليل الاجتهادي المتخصص، ويفتح الباب لمزيد من النقاش حول حدود السلطة التقديرية للقضاة ومسؤوليتهم في تحقيق العدالة بناءً على ما يُعرض عليهم من بينات.
خاتمة
"قضاء محكمة النقض في الترجيح بين البينات والحجج" ليس مجرد كتاب، بل هو رحلة معرفية في عمق التجربة القضائية المغربية. يمنح القارئ فهماً شمولياً لقواعد الإثبات، ويعكس نضجاً علمياً وفكرياً في قراءة وتوجيه العمل القضائي.
هذا الكتاب دعوة للتأمل، ولتطوير آليات التفكير القانوني، والارتقاء بفقه القضاء إلى مصاف التجارب المقارنة الرائدة